تعلّم اللغة العربيّة… ترفًا أم ضرورةً ملحة؟

إنّ من يمعن النظر في اللغة العربيّة التي نسمع عنها أكثر مما نسمعُ بها، يلحظُ أنّها غدت لغةٌ حبيسة الكتب على الرفوف، متكسرة ضعيفة على أوراق الكثير من طلبتها وأبنائها، لغةٌ صارت كأنّها ملكٌ للمختصين بها لا أداة تعبير وتكلم من حملوا اسمها.
ما هو تصورنا عن اللغة العربية؟
بعد تفتيشٍ وتنبيشٍ عن مفهوم اللغة، نجد العالم ابن جني في كتابه (الخصائص) يقول: «إنً حد اللغة في مفهومها الأساسي أصواتٌ يعبّر بها كلّ قومٍ عن أغراضهم»، لنقف عند لفظة «يُعبٌر» ولفظة «عن أغراضهم»… نحن قوم العربيّة لمَ نرفض أن نترفع باستخدامها للتعبير عن احتياجاتنا ومشاعرنا وأغراضنا اليومية؟ هل اللغة العربية قاصرة عن أداء المعنى والتعبير بشكله الدقيق؟
ومن هنا، نقرأ في معجم الوسيط أنّ للحزن سبع وستين لفظة مرادفة ولكلِّ واحدةٍ منها معنىً ودرجةً خاصّة، ومرادفات الحُزْن (اسم): «أَسًى، أَسَف، أَسَى، أَسَىً، أَلَم، ابْتِئَاس، اسْتِياء، اكْتِئاب، تَبَرُّم، تَرَح، تَعَاسَة، جَزَع، جَنازَة، جَوًى، حَسْرَة، حُرْقَة، شَجًى، شَجَا، شَجَن، شَجْو، غَمّ، غُصَّة، غُمَّة، فَجْعٌ، فَجْعَة، كَآبَة، كَدَر، كَرَب، كَرْب، كَمَد، كُرْبَة، لَذْعَة، لَهف، لَوْعَة، مَأْتَم، مَنَاحَة، نَكَد، هَمّ، وَجْد، وَحْشَة، وَلَه، أَسَى، اِكْتِئَاب، اِغْتِمَام، اِكْتِرَاب، اِغْتِمَام، اِلْتِعَاج، اِنْكِثَام، تَحَسُّر، سُقُوط، تَعَاسَة، شَقَاء، تَلَهُّف، تَحَسُر، غَلِيظ، مُغْتَمّ، مُكْتَئِب، حَسْرَة، تَلَهُّف، نَدَم، زُكَّة، غَضَب، شَجَن، هَمّ، شَجْو، هَمّ».
ونخلص إلى نتيجة مؤداها أن هذه اللغة المتلوّنة والغنيّة بالمفردات؛ كونها لغةً اشتقاقية تتولد فيها الكلمات من بعضها وتُنشئ ألفاظًا ومفرداتٍ جديدة والتي نجد فيها مرادنا وحاجتنا للتعبير عن أنفسنا واحتياجاتنا، أتتسع على من سبقنا من عظماء الأمة وتضيقُ علينا؟ هل متطلبات العصر أوسع منها وأثقل؟
أنّ اللغة العربيّة لغةٌ مرنة فيها من التجديد والقبول للآخر ما فيها، نرى فيها خاصية التعريب والترجمة؛ أما الترجمة فهي نقل الكلمة أو النص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، بينما تكون الكلمة متوفرة مسبقًا في معاجم العربيّة وسائرة على لسان العرب. والتعريب لغةً بحسب معجم لسان العرب لابن منظور الإفريقي: «مصدر الفعل عَرَّبَ، وعَرَّبَ منطقَه: هذَّبهُ من اللحن»، ومعناه الاصطلاحي: صبغ الكلمات الأجنبية والغريبة بصبغةٍ عربيّة، ونقلها من لغةٍ أخرى إلى اللغة العربية، وهذه حجة دامغة على أنّ العربيّة قادرة على تجديد وتوليد كلمات وألفاظ جديدة للتعبير عمّا لم يحتاجوا إلى التعبير عنه سابقًا، لكنّها لغةٌ عزيزة لمّا احتاجت لفظة جديدة رفضت أن تكون فقيرةً للغير فوّلدت لنا مفردات جديدة تلائم المعنى وتقضي الحاجة، وهذا برهانٌ كبيرٌ على غنى العربيّة، على أنّها لغة عصرية تواكب العصر فتتسعُ للمعاني والاحتياجات كلّها.
إذًا، إن لم تكن اللغة العربية قاصرة عن أداء المعاني فمن المسؤول؟
إذا كانت اللغة العربيّة مبرأة من هذه التهمة، وإن لم تكن هذه الفجوة بينها وبين متحدّثيها وبخاصّةٍ الأطفال بذنبٍ ارتكبته هي، فمن الملام على عزوف الأطفال عن تعلّم اللغة العربية واستخدامها في حياتهم اليومية والقراءة بها؟
يقول الأكاديمي من الجامعة الهاشمية د. إبراهيم الدهون: «إن تعليم اللغة العربية لا ينحصر على أمكنة محددة، كالمدارس والجامعات والمراكز الثقافية ووزارة الثقافة فحسب، بل إن تعليمها يبدأ من البيت، فالأب والأم مسؤولان أمام أبنائهم تجاه العربية من خلال اختيار المفردات الصحيحة لغوياً في الخطاب والحوار فضلاً عن انتقاء القصص الهادفة لتدريبهم على النطق الصحيح، وتوسيع معجمهم اللغوي».
وتُضيف القاصّة ميمونة الشيشاني بصفتها أولًا أم لخمسة أطفال في الأردن ثم بصفتها كاتبة وقاصّة في أدب الطفولة: «نحن كشيشان -أقلية تعيش في الأردن- نعلّم أطفالنا اللغة العربية من عمر الرابعة أي مع دخوله الروضة، وهي ليست لغتهم الأم ولكنّها لغة مهمة جدًا خصوصًا أننا مسلمون، وحتى نفهم الدين الإسلامي وتكون عباداتنا صحيحة لابدّ من تعلم العربية، أما الحاجة الثانية لتعلم اللغة العربية تكمن في أنّها لغة المجتمع الذي نعيش فيه ودونها لن يتحقق التواصل بيننا وبين أفراد هذا المجتمع».
ونصلُ هنا إلى نتيجة مفادها أنّ مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية وإيصالها للأجيال القادمة بأبهى صورة هي مسؤولية كل فرد في هذا المجتمع، ابتداءً من مجتمع الطفل الأول وهو البيت، فتقع مهمة تعريفه على اللغة الصحيحة باستخداماتها المختلفة وإسماعه للغة بنطقها الصحيح ومعانيها الجذابة في سنواته الأولى على عاتق والديه، فبدلًا من أن ينبهرا بسماعه وقبوله للمحتوى غير العربيّ قبل أن يتعلم ويتشرب العربيّة لو أنّهم يسمعوه محتوى عربيّ، ويضعوه في جو يعتزّ بالعربية ويقرأون له الكتب ويغنون له بالعربية حتى لو لم يفهم وإن استصعب نطقها في البداية المهم هو أن يقبلها ويتلقاها، ثم في سنواته التالية تتقاسم العائلة هذه المهمة مع المدرسة والإعلام، ويتأثر مستوى تقدم الطفل في العربية حسب نوعية التعليم والأدب والإعلام الموجه لهؤلاء الأطفال.
وتكمل ميمونة الشيشاني: «أجد أنّ لغير المتحدّثين بالعربية التأسيس السليم والصحيح بشكلٍ جاذب وممتع يبني علاقة ممتازة بين الطفل واللغة العربية، والطفل الذي علاقته مع أترابه جيدة تساعده على تخطي حاجز اللغة. وربّما الفارق بين العربية المحكية والفصحى تشكّل عثرة أحيانًا وقد تربك الطفل في المراحل الأولى من تعلمه اللغة، لكنّه سرعان ما يدرك الفروق ويتفاعل معهما ويتعلم متى يستخدم كلّ منهما».
• كيف نصنع جيلًا يعتزُّ بالعربيّة؟
يشكو الكثير من التربويين وأولياء الأمور من عزوف الأطفال عن تعلّم اللغة العربيّة، ومن نفورهم من المحتوى العربيّ الأدبي والرقمي الموجه للأطفال، ويؤكدون إعجاب الصغار واستمتاعهم فيما يخصّ المحتوى الأجنبي، فكيف نصنعُ جيلًا يعتزُّ بالعربيّة ويحبّ أن يتعلم ويقرأ ويكتب بها؟
ينشأ غالبية الأطفال في مجتمعاتنا في بيئة لا تستخدم اللغة العربية السليمة، وتفرطُ في استخدام العامية، وقلّما تنتقي ما يشاهده الأطفال على التلفاز وعلى شبكة الإنترنت، فتجدهم ينتقلون من هذا لذاك ويستمعون لغير لغةٍ واحدة ولغير لهجةٍ واحدة دون أن يوقفه أحد، فيمتلئ عقله بالعامية دون تنقية ما يسمعه، ثم حين يصل للرابعة والخامسة من عمره يرتاد الروضة فلا يسمع الفصحى من معلمته لأنّها تعتقد أنّها معقدة بالنسبة لإدراكه الصغير، وبعد سنة يدخل المدرسة ويتلقى تعليمه بالعامية فقلة هي المدارس الجيدة التي تعرف أنّ عليها استخدام الفصحى في التعليم في كافة المساقات؛ ليعرف الطفل كيف ينطق العربية وكيف يستخدمها، والأهم أن يفهم أنّ العربية لغة التواصل والحوار ولغة المعاني الرقيقة والدلالات الجميلة التي تعلي من شأنه إن تكلم بها، وتشدّ الأنظار إليه إن حاور بها وأحسن استخدامها.
أما أطفالنا فهم الضحية الأولى لسوء ما يتلقونه من نوعية التعليم، إذ إنّهم لا يحظون بالفرصة لإمتاع أذهانهم وتنظيف آذانهم بسماع اللغة العربية الفصحى إلا إذا قرأت لهم معلمة اللغة العربية كتابًا أو قصةً ما من المقرر الدراسي، فيكيرون وهم يظنون أنّ لغتهم لغة ورقية لا تصلح إلا للمؤلفات، وأنّها لغة جامدة لا مكان لها إلا على الورق، ولا يتسع لها حضنٌ غير أحضان ورفوف المكتبات، لذا يكون استخدامها بالنسبة لهم مستهجنًا وغير مألوف.
وبدوره، يضيف د. إبراهيم الدهون: «لا بدّ من النظر إلى عقول الأطفال على أنّها حاسوب خازن للمعلومات التي يتلقفها منذ الصغر، عندما تسنح الفرصة له، أو يأتي موقف ينضح هذه المعلومات والألفاظ تلقائيًا عندئذ يصبح الطفل يردد ما استقاه. فاللغة العربية بالنسبة للطفولة تشكّل تقويمًا للسان، وثقة للنفس. فحري بنا أن نحرص على تزويدهم بالقصص الهادفة، والأعمال الأدبية المكتوبة بلغة عربية فصيحة، لها أثر فعّال في تنقية مفرداته، وجمله المنطوقة».
وتؤكد لنا هذا ميمونة الشيشاني، فتقول: «بالنسبة لأطفالي، أجد البرامج العربية ذات المحتوى الجيد سواء في التلفاز أو تلك التي على الإنترنت تساهم في تحبيب الأطفال في اللغة العربية، وتضاف بفضل ذلك -وبخاصة طفل ما قبل الروضة- مفردات جديدة إلى مفهومه اللغوي، ويبدأ بالسؤال عن معنى كلمة سمعها أو رُددت أمامه، أتفاجأ بعدها باستخدام الطفل لهذه الكلمة في السياق والموقف الصحيحين، مما يدلُّ على قدرته على إدراك المعنى وتوظفيها على نحوٍ صحيح». وحين سألنا ميمونة كيف تحثّ أطفالها على تعلّم العربية بينما هي ليست لغتهم الأم، أجابت: «أردد على مسامعهم أنّها لغة القرآن، واللغة التي تحدّث بها الرسول -صلى الله عليه وسلم-… ونحن على تواصل مع أقاربنا في الشيشان، ويرونهم كيف يبكون عندما نعلّمهم آية أو دعاء، أو حتى عندما نجيبهم عن مسألة فقهية نفقه بها، نعم يبكون وهم يغبطوننا على معرفة العربية؛ فهم يحفظون الفاتحة حفظًا دون فهم لغرض تأدية الصلاة، وعندما يعرفون المعاني ينبهرون. فأحدّث أبنائي عن هذه النعمة العظيمة فيتمسكون بها لكن دون إهمال للغة الأم». ثم أكملت حديثها لتوضح لنا كيف تحافظ على لغتهم الأم بمعزل عن اللغة العربية، فقالت: «أنا أمنعهم من التحدّث في البيت بالعربية حتى أحافظ على اللغة الشيشانية التي هي في النهاية هوية، وأداة تواصل واتصال مع بلاد الأجداد، كما يجب أن يكون الأمر بالنسبة للعربيّة لمن تعدّ العربية لغتهم الأم».
ومن هنا تواصلنا مع سدينا الشيشاني ابنة ميمونة، وهي كما عرّفت عن نفسها: طفلة بعمر الثامنة عشر، تكتب القصص القصيرة للأطفال، كما أنّها حائزة على عدّة جوائز في هذا المجال وحائزة على لقب أصغر كاتبة في الأردن من رابطة الكتّاب الأردنيين في عامٍ سابق، ومقدمة سابقًا لبرنامجين إذاعيين على أثير إذاعة حياة إف إم.
سألنا سدينا: متى بدأت تعلّم اللغة العربيّة واستخدامها؟ فأجابت: «تعلمتُ لغتي الأم الشيشانية بدايةً، وبدأت تعلّم العربيّة في سن الرابعة أي عندما دخلت الروضة، إذ تعلمتُ بعضها من المعلمة وبعضها الآخر من مخالطة زملائي وزميلاتي في الروضة، أما القراءة فبدأتُ بها في السنة الثانية من الروضة، وأما الكتابة فقد بدأت محاولاتي لكتابة القصص في الصف الأول بعمر السادسة، إلا أنّ الكتابة التي أعتبرها نقطة البداية الفعليّة كانت في الصف الثالث حين كنت في الثامنة من عمري».
وحديث سدينا هذا يبرهن ويثبت قدرة الطفل على الإبداع في اللغة العربية إن توفرت له البيئة المناسبة لفهمها واستيعاب حلاوتها، إلا أنّ رحلة تعلّم اللغة العربية لا تصل إلى هذا المستوى الجيد دون مشقة، وهذا دفعنا لسؤال سدينا عن الصعوبات التي تواجه الطفل أثناء رحلة تعلّمه للغة العربية، فأضافت لكلامها السابق: «تواجهه عدّة صعوبات، أهمها بدأ الطفل بالدمج بين اللغتين الأم والعربيّة، وقد يتعرض لمواقف ينسى فيها معنى كلمة أو لا يعرف كيف يترجم قولًا ما، ثم إنّ وجود اللهجة العامية التي تختلف عن العربية الفصحى يُشكل إرباكًا، فمثلًا كثير من المصطلحات في اللهجة العامية لا أعرفها للآن… كذلك تعلّم اللغة العربيّة بالنسبة لي كان أصعب من تعلّم الإنجليزية بكثير، كذلك قواعدها والنحو والبلاغة وغير ذلك مما يميز العربية، لكنّه في الوقت ذاته يجعل تعلّمها صعبًا نوعًا ما لغير متحدّثيها». وتكمل سدينا: «تعلّم اللغة العربية وتطبيقها في النهاية يعدّ مهارة، أي أنّ البعض يمتلك هذه المهارة ولا تمنعه الصعاب، والآخرون ليس لديهم جلد على ذلك، مما يسبب لهم عقدة ربّما من هذه اللغة، وبالنسبة للغة العربية الفصحى، فإنني لاحظت أن استخدامها في التواصل مع الآخرين يجعل الطفل موضع سخرية من الكبار حتى قبل الصغار، فربّما ذاك هو ما يمنع الطفل من استخدامها».
وبعد هذا الحوار الماتع نخلص لنتيجة تجيب على سؤالنا إجابةً شافيةً وافيةً، كيف نصنع جيلًا يعتزُّ بالعربيّة؟
بأن نعتزّ نحن أنفسنا بها فلا يخجلنا استخدامها، فلا نقحم الكلمات الإنجليزية في حديثنا دون داعٍ، ونستبدل الكلمات الإنجليزية في حديثنا بكلماتٍ عربية وإن لم يكن استخدامها شائعًا، وبأن نحدّث أطفالنا بالعربيّة باعتزازٍ وفخرٍ ومحبّةٍ، ولا ننس أن نوفر لهم المحتوى العربيّ الشيّق الذي يناسب اهتماماتهم ونحرص على تجدد ما نمنحهم إياه من قصص وأعمالٍ أدبية وترفيهية عربية.
حفظ العربيّة واجب من؟
يلقي الكثيرون اللوم على حال اللغة العربية والصعوبات التي تواجهها مع الأطفال وحتى الكبار على عاتق مختصي اللغة العربية ابتداءً من طلاب قسم اللغة العربية وآدابها، مرورًا بمعلمي اللغة العربية في المدارس، ووصولًا إلى أساتذة اللغة العربية في الجامعات، فهل على مختصي اللغة العربية أن يحملوا مسؤولية حفظ اللغة العربيّة وحدهم؟ إن كان الجواب: لا، إذًا حفظ اللغة العربية واجب من؟
من جهته يجيب د. إبراهيم الدّهون: «تمثّل اللغة العربية الفصيحة من ينطق بها، وتكشف ثقافته، وتبين عنايته بها، لذا تقع مسؤولية الاهتمام بها، واحاطتها بالرعاية والتطبيق على كل شخص عربي بصرف النظر عن تخصصه أو مؤهله، ويستخدمها في حياته سليمة خالية من العامية أو اللحن. فهي ليست حكراً على مختصيها، أو أمانة بين يدي المختصين في أقسام اللغة العربية في الجامعات أو معلمي اللغة العربية في المدارس، وإنما شراكة حقيقة بين أفراد وشرائح المجتمع كافة. فلا يمكن لأحد أن يتنصل من هذه المسؤولية وينأى بنفسه عن حملها، فالعربية الفصيحة لغة فيها الملاينة والرقة كونها لغة قادرة على استيعاب مفردات الطب ومصطلحات الهندسة والنظريات التربوية، فلا ضير من ممارستها ممارسة فعّالة، ونشرها بين الوسط الاجتماعي».
ونصل هنا إلى قولٍ أكيد مفاده أنّه كما أنّ اللغة العربية للجميع فإن واجب الحفاظ عليها مسؤولية جميع أبنائها كلٌّ في مقامه وميدانه ومجاله ومسؤولياته، وإنّ إلقاء اللوم على المختصين يعدُّ جزءًا لا يتجزأ من مشكلة العربية، فمن يعتقد أنّ على مختصي اللغة العربية أن يحملوا هذا الحمل وحدهم يمهد الطريق أمام من يعتقد أنّ هذه اللغة لغة المؤلفات والكتب ولا تصلح للاستخدام العام، ولا تخدم متطلبات العصر بكفاءة، وحل هذه المشكلة يبدأ من أن نؤمن ونفهم حاجتنا لوجود عارفٍ ومحبٍّ للغة العربية في كلّ مجالٍ في المجتمع، فنحن بحاجة إلى طبيب يجيد العربية ويستخدمها، وإلى مهندس يتقن العربية ويتحدث بها، وكذلك معلمي العلوم والرياضيات في المدارس وأساتذة الجامعات، وحتى أصحاب الحرف والأعمال المهنية يحتاجون لتعلّم العربية وإجادة التحدّث بها وحبّها، لم؟ لأنّها لغة وصورة الدولة ووجه المجتمع، لذا حمايتها واجبنا جميعًا كلٌّ بقدر استطاعه.
• من سيرفع الآخر… اللغة أم متحدّثوها؟
هل يمكن أن يرتفع المرء ويبني حضارة عالية ويُثبت حضوره في مجتمعٍ مرموق دون أن يقدّر لغته الأم؟ هل تغفر له إجادته للغاتٍ أجنبية كونه سيء في لغته الأم؟
وفي هذا الباب يجيبنا الدكتور الدهون، ويقول: «ترفع اللغة أصحابها، وتسند هممهم، وتعلي من شأنهم، فلنا في القرآن الكريم والعصر العباسي مثالين فريدين. فقراءة القرآن باللغة العربية وإجادة تلاوته فهم صحيح وعميق لجمالياته، وتأمل دقائقه، ولا سيما الوقوف على نظمه البديع. كذلك منجزات العصر العباسي في شتى صنوف المعرفة: (الطب، الفلسفة، الرياضيات، الفلك، الجغرافيا،…) فقد خرجت للبشرية بلغة عربية فصيحة متماسكة، حقق من خلالها العرب المسلمون مكانة مرموقة بين الأمم، وتركوا بصمات خالدة إلى يومنا الحاضر».
وبدورها تؤكد لنا ميمونة الشيشاني أنّ اللغة العربيّة أداة ترفع متحدّثيها، وتؤسس حضاراتهم، وترفع وتبني وجودهم، فتقول: «اللغة هي أساس تقدم الأمم، هي ثقافتها، وكلّما كانت اللغة عميقة وذات مفردات كثيرة وواسعة ومرنة في الوقت ذاته تخلّد متحدّثيها؛ فهي ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم». وتكمل وهي فرحة بما منحتها إياه اللغة العربية على مدى سنوات وهي تتعلمها، وتعلّمها لأطفالها، وتحلق بها مع الخيال لتصنع ليالٍ هنيّة للأطفال العرب الذين سيقرأون قصصها: «العربية هي البحر الواسع العميق، وهي اللغة التي تنسجم وتصلح لكلّ عصر، على عكس بعض اللغات السطحية التي لا تصلح للغد، وهذه اللغات ستندثر وبزوالها تزول تلك الحضارة».
ويؤكد لنا الدكتور إبراهيم الدّهون، ويكمل حديثة: «بناء على ما سبق، نلحظ أن اللغة العربية الفصيحة، أداة ذهبية لارتفاع الإنسان العربي، وبناء حضارته بناءً راقيًا. إنها عامل دافع لتطوره وتقدّمه بين الأمم الأخرى».
• صافرة إنذار قرآنية….
«إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون.» القرآن الكريم، سورة الحجر، آية ٩.
يتدبر الكثيرون هذه الآية الكريمة تدبرًا ناقصًا، فيركنون على تبليغ الله تعالي لنا بأنّ مهمة حفظ القرآن الكريم من أيّ زيادةٍ أو نقصان قد حفظها الله تعالى لنفسه، وكفل لنا أنّ هذا القرآن محفوظٌ من عند منزله من التحريف والضياع، فيفهمون من هذا التبليغ أنّ اللغة العربية كنتيجة مؤكدة كونها لغة القرآن الكريم محفوظة بحفظ الله ورحمته، فيتكاسلون عن أداء واجباتهم أمام هذه اللغة، ويفهمون هذا الخطاب على أنّه خطاب تشريف لا خطاب تكليف، بينما يفهم العاقل أنّ عليه أن يخدم القرٱن الكريم بخدمته للعربية والسعي للحفاظ عليها وحمايتها، فإن كان الله عزّ وجلّ قد بلّغنا أن الكتاب الكريم محفوظ ومصوون من عنده، فمتى أخبرنا أننا نحن محفوظون على أننا خادمو هذه اللغة وأتباعها؟ ألم يخشوا أن يحفظها الله تعالى على ألسنٍ غير ألسنتنا؟ ويحمّل لواءها لأطفالٍ غير أطفالنا؟
وانطلاقًا من هذه الفكرة أطلق مجمّع اللغة العربيّة الأردنيّ قانون حماية اللغة العربية الذي يلزم كل المحال التجارية بأن يسمّوا ويطلقوا على يافطات متاجرهم وإعلاناتهم أسماءً عربيّة، ويسمح لهم باستخدام الإنجليزية وغيرها من اللغات شريطة أن تكون لغة ثانوية مضافة للاسم والإعلان العربيّ ويغرّم من يخالف هذا القانون ويعاقبه بمبلغٍ ماليّ حسب المتفق عليه في بند القانون.
يقول الشاعر حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية معاتبةً أبنائها:
رَمَونـــي بِعُقمٍ في الشَبـــــابِ وَلَيتَنــــي عَقِمتُ فَلَم أَجــــزَع لِقَولِ عُداتـــي
حفظ اللغة العربية ضرورة ملحة لا ترفًا وثقافة إضافية، والسعي لحماية العربيّة واجب على كلّ عربيّ وكلّ مسلم غيور على اللغة التي نزل بها الوحي على رسوله ونبيه الكريم مُحمّد -صلّى الله عليه وسلم- ويكون بمعنى فرض العين علينا جميعًا إلى أن نصل إلى حد الكفاية التي تطمئننا على هذه اللغة.

وجبات صحية للمساء

قد يبدو الطهي أحيانًا كأنه عمل روتيني في نهاية يوم حافل. وقد ترغب غالبًا في إلقاء وجبة جاهزة في الفرن أو طلب عشاء جاهز مع خدمة توصيل. ولكن يجب ألا يكون إعداد وجبة عائلية بسيطة أمرا صعبًا أو يستغرق وقتًا طويلاً. فيما يلي بعض الأطباق الصحية السريعة التي ستحبها أنت وأسرتك. كما يمكن أن يتم إعدادها مقدمًا كذلك.

أفضل من البوتين

صحيح، ما الذي يمكن أن يكون أفضل من طبق بطاطس مقلية مطهو بالبخار مع المرق وجبنة حلوم؟ البطاطس المقلية، والمرق، وجبنة حلوم واللحم المقدد، هذا كل شيء! أضف بعضًا من الكراث الطازج والفلفل الحار وقليلاً من نخاع العظم المحمَّص ومرقة البط، وسنحول هذا الطبق الفرنسي الكندي المشهور إلى وجبة راقية.

إفطار في منزلي

يتكرر معنا دائما ذلك المشهد كل صباح ونحن مسرعين، حاملين القهوة في يدٍ وشريحة من الخبز المحمَّص في اليد الأخرى، ولكن عطلة نهاية الأسبوع هي موعدنا مع إفطار بطيء نسبيا. إنه أمر متأخر، ويمتد أحيانًا إلى الغداء، ويتضمن الكثير من القراءة والأحاديث بين أطباق الفواكه والبيض المسلوق والعسل والخبز المحمَّص. أما أحد الأشياء المفضلة لدينا التي نحب تقديمها عند زيارة الأصدقاء فهي فطائر الحنطة السوداء والتوت.

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ